الخميس، 26 مايو 2011

اسباب التغير الدلالي

التغييرات تحدث في اللغة دائما لأنها نظام للتواصل بين الناس مرتبطة بأحوالهم وظروفهم الاجتماعية والثقافية والعقلية، وهذه الأحوال والظروف لا تسير على وتيرة واحدة. ومتى توفرت الأسباب حدث التغيير حسب طرق وأصناف معينة. لذا يجب التفريق بين أسباب التغير الدلالي وطرق التغير الدلالي. فالأسباب هي الظروف المهيئة للتغير بينما الطرق هي الوسائل والخطوط التي يسلكها التغير. وقد ميز العلماء عددا من أسباب التغير الدلالي: [1]

(أ) الأسباب التاريخية: وهي أسباب ناتجة عن تغير المجتمع أو الأشياء أو تغير النظرة إليها، ويمكن تمييز عدد من الأسباب التاريخية:
(1) تغير الشيء وبقاء اللفظ: فالشيء قد يتغير شكله أو وظيفته ولكن اسمه يبقى فيظهر اختلاف بين الشيء الأول الذي وضع له الاسم والشيء في الوقت الحاضر، ومن أمثلة ذلك:
الخاتَم، فهو لفظ مأخوذ من الجذر (ختم) الذي يعنى "طبع" ومنه الخِتام وهو الطِّينُ الذي يُخْتَم به علـى الكتاب، وسميت الحلقة التي تُلبس في الإصبع خاتما لأنه يطبع بها على الكتاب، ثم اتخذت حلية وزينة ولم يعد لها علاقة بالختم.
الدبابة، الدَّبابةُ: آلةٌ تُتَّـخَذُ من جُلودٍ وخَشَبٍ، يدخـلُ فـيها الرجالُ، ويُقَرِّبُونها من الـحِصْنِ الـمُـحاصَر لـيَنْقُبُوه، وتَقِـيَهُم ما يُرْمَوْنَ به من فوقهم. وفي الوقت الحاضر تغير شكل هذه الآلة وتطورت وأصبحت تُصنع من الفولاذ وتسير على جنازير وزُوّدت بمختلف الأسلحة النارية، ولم تعد وظيفتها تقريب الجنود من الحصون وإنما نراها تشارك في المعارك البرية.
الزند، خشبتان يستقدح بهما، ثم تغير الزند وأصبح يؤخذ من حجر الصوان والمرو، ثم بعد ذلك أصبح آلة قادحة تستخدم الكيروسين أو الغاز في انتاج النار.
البندق، قوس توضع بها كرات صغيرة يرمى بها، والآن تطلق الكلمة على سلاح ناري طاقة الدفع فيه البارود.
(2) تغير موقفنا من الشيء: إذا كان المعنى هو ما نملكه من أفكار وتصورات عن المشار إليه، فمتى تغيرت هذه الأفكار والمواقف تبعها تغير المعنى، من ذلك مثلا:
الخمر: كانت في الجاهلية رمزا للكرم والضيافة يتفاخر الناس باقتنائها ودفع المال لشراء دنانها ، والشعراء يصفون آنيتها ولون شرابها ، ولما جاء الإسلام حرم تعاطيها وأصبحت أم الخبائث، ومن شربها لحقه العار ووصف بالفسق وأصبح من الفجّار.
الثأر: كان أمر الثأر كبيرا لا يهنأ صاحبه حتى يستوفيه، ولكن بعد نشوء الحكومات ووجود القضاء لفض الخلافات والنزاعات، أوكل أمر الجناة والقتلة إلى سلطات قضائية ومؤسسات مدنية تتكفل بالقصاص واستيفاء الحقوق.
الميسر: وهو القمار، كان حلالا في الجاهلية وبعد أن حرمه الإسلام تغير موقف الناس منه ومن ثمّ تغير معناه، وكذلك الربا والقمار والأنصاب والأزلام.
(3) تغير معرفتنا بالشيء: ما نملكه من معرفة عن الشيء يسهم في بلورة معناه في أذهاننا، ومتى تطورت هذه المعرفة تبعها تطور وتغير في معنى الشيء، ومن أمثلة ذلك:
الذَّرّة: كان القدماء يظنون أنها أصغر جزء للمادة، لذلك يطلق عليها اليونان لفظ atom أي الجزء الذي لا يتجزأ، ولكن علم الفيزياء الحديث كشف أن هناك أجزاء أصغر من الذرة هي الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات.
الشمس: كان القدماء يظنون أنها اعظم جرم مضيء في الكون، وبعضهم كان يعبدها ظانا أنها إله؛ لذا كان يسمونها الإلهة، ولكن علم الفلك الحديث طور معرفتنا بالشمس وبيّن أنها نجم بجانب نجوم أخرى تفوقها عظما في كون واسع.
القمر: كان هناك من يعتقد أنه إله، وكان قوم سبأ يعبدونه ويسجدون له. وعلم الفلك الحديث يبيّن لنا أنه ما هو إلا كويكب صغير يدور حول الأرض وسطحه خال من الشجر والماء والحياة.

(ب) الأسباب الاجتماعية والثقافية: المجتمعات الإنساية دائما في حالة تطور وتغير بسبب الاحتكاك بشعوب أخرى عن طريق الغزو العسكري أو الثقافي، وكذلك بسبب ما يجد من ثقافات وأفكار وما ينتشر من أديان ومذاهب وفلسفات، وقد تعرضت مفردات العربية إلى تغييرات كثيرة وواسعة بسبب مجيء الإسلام بدين جديد وثقافة دينية ودنيوية تختلف عما عرفوه في الجاهلية، يقول ابن فارس:
مما جاء به الإسلام - ذكر المؤمن والمسلم والكافر والمنافق. والعرب إنَّما عرفت المؤمن من الأمان والإيمان وهو التصديق. ثُمَّ زادت الشريعة شرائطَ وأوصافاً بِهَا سُمِيَ المؤمن بالإطلاق مؤمناً. وكذلك الإسلام والمسلم، إنّما عَرَفت منه إسلامَ الشيء ثُمَّ جاء فِي الشَّرع من أوصافه مَا جاء. وكذلك كَانَتْ لا تعرف من الكُفر إِلاَّ الغِطاء والسِّتْر. فأما المنافق فاسمٌ جاء بِهِ الإسلام لقوم أَبْطنوا غير مَا أظهروه، وَكَانَ الأصل من نافقاء اليَرْبوع. وَلَمْ يعرفوا فِي الفِسْق إِلاَّ قولهم: "فَسَقَتِ الرُّطبة" إذَا خرجت من قِشرها، وجاء الشرع بأن الفِسق الأفحاش فِي الخروج عن طاعة الله جلّ ثناؤه. ومما جاء فِي الشرع الصلاة وأصله فِي لغتهم: الدُّعاء، وكذلك الصيام أصله عندهم الإمساكُ، ثم زادت الشريعة النِّية، وحَظَرَت الأكلَ والمُباشَرَة وغير ذَلِكَ، وكذلك الحَجُّ، لَمْ يكن عندهم فِيهِ غير القصد. [2]
(ج) الحاجة إلى التسمية: اللغة وسيلة للتواصل قائمة على استخدام علامات لاستحضار الأشياء والأفكار. ومتى جد شيء احتاج إلى علامة تفصح عنه وتشير إليه. واللغة بها شيء من المحافظة؛ لذا قلما نجد لفظا وضع وضعا من غير سابق، والأكثر أن نجد اللفظ مشتقا من جذر يدور حول معان تشارك الشيء المراد تسميته في معناه، أو نجده مستعارا من معنى آخر يشبهه في وجه من الوجوه ومن أمثلة تغير دلالات الألفاظ بسبب النقل من معنى إلى آخر:
اصطلاحات العلوم والفنون:
رفع، نصب، جر، جزْم، تنازُع، اشتغال (نحو)
معتل، صحيح، سالم (صرف)
بيت، عمود، خبْن، وتد، سبب (عروض)
نافذة، ملف، مجلد، فأرة (حاسوب)
أسماء بعض أعضاء البدن:
ضفدع: عظم في جوف الحافر من الفرس.
الذباب "إنسان العين."
العصفور: "أصل منبت الناصية" و"عظم ناتئ في الجبين."
الحِدأة: "طائر من الجوارح،" والحِدأة من الفرس والإنسان: "أصل الأذن"، وقيل: الحدأة من الفرس "سالفة عنقه."
أجزاء الآلاات: أجزاء القوس.
رِجل: الجزء الأسفل من القوس.
يد: الجزء الأعلى من القوس.
كبِد: وسط القوس.
ظُفر: طرف السية.
(د) كثرة استعمال الكلمة: هناك كلمات يكثر استخدامها في مجالات كثيرة مما يؤدي إلى تغير معناها عن طريق التخصيص، مثل:
جذر: أصل النبات تحت الأرض.
جذر: الحروف الأصول في الكلمة.
جذر: رقم رياضي.
ومثل:
زراعة (نبات)
زراعة (طب)
زراعة (مختبر وبكتيريا)
ومثل:
عملية (عسكرية)
عملية (طب)
عملية (حساب)
عملية (اقتصاد)

(هـ) أسباب عقلية: من أسباب التغير الدلالي وجود علاقة بين شيء وآخر مما يؤدي إلى نقل اللفظ من شيء إلى آخر وقد تكون تلك العلاقة المشابهة أو غيرها.
علاقة المشابهة: تؤدي إلى استعارة لفظ من شيء إلى آخر، ومن أمثلتها:
عين: عضو الإيصار> بئر، قرص الشمس، ثقب الباب، السيد، الذهب.
فم: الثغر، فتحة القربة، فتحة القارورة.
رجل: رِجل القوس: سِيَتُها السفْلى، ورِجْلا السَّهم: حَرْفاه، ورِجْلُ البحر: خليجه.
عنق: عُنُق الدهر أَي قديم الدهر، وعُنُق الصيف والشتاء: أَوّلهما، وعُنُق الجبل: ما أَشرف منه، والأَعْناق: الرؤساء، وعُنُقٌ من النار: قطعة تخرج منها.
علاقات غير المشابهة: وهي ما يطلق عليها علاقات المجاز المرسل، مثل:
الجزئية: عين > جاسوس؛ رقبة > مملوك.
الحاليّة: حمة العقرب: سمها > إبرتها (محل)
الآلية: لسان > لغة.
المجاورة: خرطوم (أنف) > فم؛ خشم > فم.


(و) أسباب نفسية: ومن مظاهرها:
التفاؤل والتطير: وهو استخدام اللفظ الجميل للمعنى القبيح:
سليم: لم يصبه سوء > ملدوغ.
يسرى: اليد التي يسهل العمل بها > اليد الشمال، العسرى.
حُباب: محبوب > حية تدعى الشيطان.
بصير: قوي البصَر > الأعشى، ولذا كُني الشاعر المعروف الأعشى بأبي بصير.
كريمة: مكرمة > العين العوراء.
العافية: الصحة والسلامة > النار.
الخوف من العين: قد يؤدي الخوف من الإصابة بالعين إلى تسمية الشيء الجميل باسم قبيح، مثل: شوهاء: القبيحة > المرأة الجميلة.
المبالغة: قد يشعر الإنسان في بعض الأحوال أن الألفاظ العادية لا تفي بالتعبير عن انفعالاته فيعمد إلى استعمال الألفاظ الدالة على الخوف والرعب للتعبير عن جمال الأشياء، من ذلك:
رائع: جميل، مشتق من الروع وهو الخوف.
هولة: المرأة الجميلة، أُخذت من الهوْل وهو الخوف. وفي اللهجة المصرية يستخدم لفظ هايل بمعنى ممتاز.
رهيب: مخيف، تستعمل الن بمعنى جميل، ممتاز.
فظيع: شنيع، ويستخدم في الحاضر أحيانا بمعنى ممتاز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق