الخميس، 26 مايو 2011

....


مدونتي هذهـ مختصة بـ علم اللغة
وأرجوا أن تنال أعجابكم

شروق الحربي

اللغة وخصائصها الفكرية والنفسية







وضع علماء
اللغة عددا من النظريات لتحديد المرحلة التي بدأ فيها الإنسان التعبير عن نفسه بالكلام، ولكن أيا من هذه النظريات لا تفسر تفسيرا كاملا تطور اللغات الإنسانية إلى ما وصلت إليه من تعقيد ودقة. ويعتبر العلماء أن اللغات بمراحلها المختلفة تشكل أهم إنجاز حققه الإنسان في تاريخه. ويقول ادوارد ثورندايك من جامعة هارفارد: \"إن اللغة أكثر أهمية من كل ما أبدعه الإنسان من أدوات في الأعوام الألفين الماضية.\" واللغة جزء بالغ الأهمية من حياة الإنسان اليومية، فبوساطتها يفكر، ويتصل بالآخرين، ويحقق التكيف مع نفسه ومع البيئة التي يعيش فيها. ولغة الفرد انعكاس لطريقة عيشه ومستوى تفكيره وعمق أحاسيسه. فما هي خصائص اللغة؟ وكيف تساعد معرفة هذه الخصائص معلمي اللغات في إجادة عملهم فيفيدون تلاميذهم أحسن فائدة من الوقت والجهد المبذولين؟

اللغة أداة بشرية

أول خاصة تمتاز بها اللغة هي أنها نشاط بشري. ومع أننا نعرف أن الحيوانات يتصل بعضها ببعض بأشكال مختلفة، إلا أننا نعرف في الوقت نفسه أن هذه الأشكال من الاتصال لا تمتاز بالمرونة والشمولية والدقة بحيث تعتبر لغة بالمعنى المتعارف عليه.

ويقول عالم اللغات جوليان هكسلي الذي أجرى سلسلة من التجارب على الاتصال الحيواني في حديقة حيوان لندن: \"إن بامكان حيوانات كثيرة أن تعبر عن حاجتها إلى الطعام بطريقة أو بأخرى، ولكن ليس من حيوان بامكانه أن يطلب بيضة أو موزة.\" ويقول روبرت ييركس في دراسة له عن القردة: \"كل شيء يشير إلى أن ما يصدر عنها من
أصوات لا يشكل لغة حقيقية، ويبدو أن هذه الأصوات في أساسها تعبير عن حالات نفسية.\" وعلى ذلك فإنه يبدو أن الإنسان وحده هو الذي يستعمل اللغة كأداة من أدوات تحقيق ما يريد.

اللغة هي أحد أهم النشاطات البشرية

تشكل اللغة أساسا لتعايش الجماعات، ومن المتعذر أن تقوم حضارة من الحضارات دون
كتب وهواتف ووسائل اتصال وإعلام وغيرها. وتشير دراسات لغوية إلى أن الأطفال ما بين الثالثة والرابعة من أعمارهم ينطقون بالمتوسط بحوالي عشرة آلاف كلمة في اليوم الواحد. بينما يتعامل الأطفال الأكبر سنا والراشدون مع آلاف مؤلفة من الكلمات كل يوم في الصحف والكتب والإذاعات والمحاضرات وغيرها. ومن هنا تتولد حاجة ماسة إلى اكتساب مهارات لغوية تفيدنا في الاتصال بالآخرين والتأثر بهم والـتأثير فيهم.

وتتمثل هذه المهارات في القراءة والفهم والكلام وال
كتابة. ولا جدال في أن العيش في العصر الحديث يستلزم قدرات في تلقي هذا الكم الهائل من الكلمات، وفهمها، وغربلة ما فيها من أفكار، ومن ثم مقارنة هذه الأفكار بعضها ببعض، وموازنتها، وطرح ما لا يفيد منها، وتبني ما نعتقد أنه مفيد ورصين. وعلى ذلك تشكل النشاطات اللغوية الأساس في أي منهج تربوي، إذ تركز المدارس على تعليم الأطفال المهارات اللغوية الأساسية وطرائق منهجية لاستعمالها، الأمر الذي يمكن الأطفال من تعلم حمل مسؤولية أنفسهم والمساهمة في حمل المسؤوليات التي يفرضها المجتمع.

اللغة نمط سلوكي مكتسب

يقول العالم اللغوي الدانماركي الشهير أوتو جيربيرسون: \"يتمثل جوهر اللغة في أنها نشاط إنساني، يمارسه الفرد ليمكن فردا آخر من فهمه، ويمارسه الفرد الآخر لفهم ما يفكر فيه الفرد الأول.\" ولما كانت اللغة نمطا سلوكيا فإن مشكلاتها ذات ط
بيعة نفسية أكثر مما هي ذات طبيعة آلية. فالنشاطات اللغوية التي يمارسها الفرد هي في الأساس رد فعل على منبهات البيئة التي يعيش فيها، أو هي جزء من التفاعل مع تلك البيئة. وعلى ذلك يمكن دراسة اللغة على أساس تلك العلاقة مع البيئة.

من هنا نرى أن إنفاق وقت طويل على تمارين النحو الصحيح وأشكال الأفعال و
حروف الجر المختلفة، بمعزل عن سلوك الطفل وخبراته، كما تفعل بعض المدارس، هو أمر مبالغ فيه. لقد أخفقت مدارسنا، عموما، في تعليم اللغة العربية في سياقها الصحيح، وتجاهلت أن اللغة شكل من أشكال السلوك الإنساني وليست مجرد \"جمل نموذجية\" تكتب على السبورة ويقضي المعلم والتلاميذ الساعة تلو الساعة في شرحها واستخلاص ما فيها من قواعد نحوية وإملائية.

لا بد أن نعتبر اللغة جزءا من النشاط الكلي للطفل في أوضاع اجتماعية معينة، وأداة يعبر بها عن خبراته وأحاسيسه. يقول المؤلف كورت كوفكا: \"إذا أراد المعلم أن يعلم الطفل لغة دقيقة ومهذبة، فإن عليه أن يعلمه السلوك الدقيق والمهذب.\" فالمعلم الحاذق يرى بوضوح العلاقة بين النشاطات اللغوية وخصائص شخصية الطفل المتعلم، بما في ذلك أحواله النفسية والانفعالية، وخبراته الحياتية، ومواقفه مما يجري حوله من شؤون.

وليست اللغة مهارة ط
بيعية، ولكنها مهارة مكتسبة. ويؤكد علماء اللغة أهمية البيئة اللغوية المبكرة للطفل وأثرها في تكوينه الفكري والنفسي. ويؤكدون أيضا أهمية اعتبار الطفل في مجال استعماله اللغة فردا له من الخصائص الجسمية والعقلية والنفسية ما يميزه على أقرانه، ليس فقط عندما يبدأ تعليمه المدرسي الابتدائي، ولكن أيضا في سنوات تعليمه المتقدمة. ولنا أن نتوقع مواقف مختلفة من اللغة بين الأطفال نظرا إلى اختلاف بيئاتهم اللغوية: فالأطفال يختلفون في اهتماماتهم بالكلمات، وفي معرفتهم للكتب والمجلات، وفي إلمامهم بالقصص المخصصة للصغار. ولذلك فإن التركيز على تمارين تركيب الجمل مثل \"المجدون فائزون\" و\"وصل القطار إلى المحطة مبكرا\" هو مضيعة لوقت كثير من الأطفال، بل هو يسهم بما يسببه من ضجر في اكتساب مواقف عدائية من المدرسة ومن العملية التعليمية برمتها. إذن، لغة الطفل وحاجاته التعليمية في مجال اللغة هي مسألة فردية في المقام الأول.


اللغة رموز وأعراف

إذا رأينا جسما مؤلفا من أربع أرجل ومسند ومقعد يجلس عليه شخص فإننا نطلق عليه اسم \"كرسي\". لماذا؟ لان هذا هو الاسم المتعارف عليه. كان بامكاننا أن نسميه \"بقرة\" أو \"تفاحة\" لو أن الجميع تعارفوا على تسميته كذلك. وعلى هذا، فإن كل الكلمات التي نستعملها هي رموز لأفكار وأشياء مادية أو مجردة. ولما كانت اللغة تقوم على رموز متعارف عليها فان ذلك يثير عددا من المشكلات ال
تعليمية المهمة. فنحن لا نريد أن يقول الطفل \"ليمونة\" في حين انه يقصد \"باذنجانة\"، ونريد أن يقرأ ويكتب بالشكل الذي يفهمه الآخرون. يضاف إلى ذلك أنه يجب على الطفل أن لا يستعمل الرموز الصحيحة للتعبير عن معنى معين فحسب، بل عليه أن يفهم ما تمثله هذه الرموز من دلالات حين يستعملها شخص آخر.

ويكتسب الطفل بشكل عام فهما لما تمثله الرموز على نحو بطيء جدا. فكلمة \"كرسي\" تعني لطفل صغير أول ما تعني كرسيه الخشبي الصغير. أما الكرسي الذي يجلس عليه
جده، فهو شيء آخر. وشيئا فشيئا، يكتشف أن الكراسي جميعا تشمل عناصر مشتركة معينة، وعندئذ يستطيع تعميم فكرة الكرسي، وبذلك يستوعب الدلالة. بل إن الكثيرين منا يضيفون باستمرار دلالات جديدة لكلمات مجردة مثل \"العدل\" و\"الحق\" على مدى الأيام والسنين. فاللغة، إذن، نظام رمزي وعرفي، يشكل تحديا كبيرا للمتعلم الصغير، وهو قابل للتطور والتجدد في السنوات اللاحقة.

اللغة نشاط اجتماعي في الأساس

أهم
وظائف اللغة هي التعبير عن أفكار في ذهن المتكلم ونقلها إلى ذهن المستمع. وتقول المؤلفة غريس دو لاغونا: \"يشكل الكلام الوظيفة الأساسية في تنسيق نشاطات أفراد جماعة من الجماعات.\" ويعتقد جان بياجيه، العالم اللغوي الشهير، أن الطفل لا يستطيع قبل سن السابعة أن يفكر بحيث يرى العلاقات التي يراها الكبار بين الأشياء. ويشير علماء آخرون إلى أن واحدا من أهم أغراض اللغة هو ترك انطباع في الآخرين والتأثير في سلوكهم وتفكيرهم وعواطفهم. ويرى آرثر كنيدي أن اللغة المنطوقة والمكتوبة أيضا المستعملة في الإعلانات التجارية وفي الأعمال الدعائية تستعمل بغرض التأثير في سلوك الآخرين. وهذا استعمال اجتماعي للغة.

ومن الإغراض الاجتماعية لاستعمال اللغة كذلك حفظ أفكار ومعلومات عن الميراث الثقافي في مجتمع من المجتمعات من جيل إلى أجيال لاحقة. وال
كتابة والقراءة عنصران أساسيان في تلك العملية. ففي القبائل البدائية يقوم الكلام بدور أساسي في نقل معارف القبيلة وقيمها وأعرافها من الأب إلى الابن. وفي الحضارات الأكثر تعقيدا تلعب اللغة دورا عظيما في نقل المعارف والخبرات من جيل إلى جيل بالكلمة المنطوقة والمكتوبة. ويتلقى الأطفال والكبار عن طريق هذه الاتصالات الشفهية والمسجلة مخزونا ضخما من الخبرات التي تساعدهم في حل مشكلاتهم، فتيسر عليهم حياتهم وتجعلهم أكثر تكيفا مع مجتمعهم وأكثر قدرة على تذليل الصعوبات في هذا السبيل. فباللغة يبني المرء فوق ما بناه آخرون قبله، ويحقق فتوحات جديدة.

ويستفاد من المهارات اللغوية في التواصل الاجتماعي، وان كان في الشهور والسنوات الأولى من حياة الطفل تمتاز هذه المهارات بخصائص فردية. فالكلام والفهم والقراءة وال
كتابة كلها ذات أهمية اجتماعية كبيرة نظرا إلى الدور الذي تقوم به في عملية تكيف الفرد مع نفسه ومع مجتمعه. وعندما يتعلم الطفل الكلام يكتسب قدرة على فهم أفضل لبيئته، ويحقق بذلك وضعا أفضل في التواصل مع الآخرين. والطفل الذي لا يستطيع التعبير عما يحتاج إليه يشعر بكثير من الإحباط والعجز. وإذا تأخر الطفل في اكتساب المهارات اللغوية الضرورية في السنوات المدرسية فانه يفقد جانبا كبيرا من احترامه لنفسه ومن القدرة على اكتساب المعارف المختلفة في المدرسة والشارع والبيت. ونقرأ في سيرة حياة الكاتبة الأمريكية هيلين كيلر التي ولدت صماء وعمياء وبكماء أنها قبل سن السادسة وقبل تعلمها المهارات اللغوية اللازمة كانت تشعر بكثير من الضيق وكانت كثيرة الغضب والتوتر وقليلة القدرة على التكيف مع محيطها. ولكن ما أن اكتسبت القدرة على التعبير حتى أصبحت قادرة على التعامل مع أقرانها. وتشير دراسات كثيرة إلى العلاقة الوثيقة بين ما يواجهه بعض الأطفال من صعوبات في التعلم وعدم القدرة على التكيف النفسي. وتخلص هذه الدراسات إلى أن هناك علاقة قوية بين تعلم اللغة والعناصر التي تشكل شخصية الطفل.

ولا تنبع أهمية اللغة بالنسبة إلى الفرد من علاقتها بالتكيف النفسي فحسب، ولكن من كونها أساسا للتفكير أيضا. فنحن عندما نفكر نستعمل اللغة حتى دون النطق بكلمة واحدة. كذلك لا تتوضح أي فكرة إلا بالتعبير عنها لغويا. يقول جيربيرسون: \"أنا أتكلم لاكتشف ما أفكر فيه.\" ويبدو انه عندما يكبر الأطفال يكتشفون أن لديهم مخزونا من الأفكار والمشاعر و
الخبرات التي تشكلت قبل قدرتهم على التعبير عنها بكلمات، فتبقى في وجدانهم دون تعبير، ولكن بامكانهم أن يكشفوا عنها بالكتابة الإبداعية.

اللغة و المجتمع






أولاً: أهمية اللغة في المجتمع:

تعد اللغة ظاهرة اجتماعية اقتضتها حياة البشر ، وقد منح الله تعالى الإنسان قوة العقل والاستعداد للتفاهم والكلام . واللغة أهم مظهر لوجود الجماعة والمحافظة على كيانها وهي عنصر ضروري لبقاء وتماسك وحدات المجتمع .

" فاللغة إذن ظاهرة اجتماعية وهي بوصفها هذا تؤلف موضوعاً من موضوعات علم الاجتماع"(1)

وبذلك يبدو أن رأي علماء المجتمع بتعريفها تعريفاً يتناسب مع وظيفتها في المجتمع هو ما تُعرف به اللغة عند الأقدمين من علماء العربية وهو أن اللغة ......... " أصوات يُعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم "(2)

ولم يكن يُدرك قديماً ما للغة من صلات بالمجتمع الذي تعيش فيه ، أو يُعَدَّلُ من طرائقها ثم دُرِس على هذا الأساس فترة من الزمن بعد تقدُّم العلوم الإنسانية وإدراك حقائق الظواهر الاجتماعية ، ثم لوحظ أن اللغة ترتبط بالجماعات الناطقة بها ، ويمكن أن يُهتدى على إثر هذا الإدراك إلى معرفة خصائص الجماعات البشرية من دراستنا اللغات وتاريخها وتطورها .

والحقيقة أن اللغة في عمومها ذات وظيفة هامة جداًّ ، يمكن أن تُلخَّص في أمرين :
1- أمر فردي : هو قضاء حاجة الفرد في المجتمع .
2- أمر اجتماعي خالص : هو تهيئة الوضع المناسب لتكوين مجتمع وحياة اجتماعية ، فأما بالنسبة للشق الأول من وظيفة اللغة فواضح أن طبيعة التخصيص تبدو في وظيفة كل فرد بحيث لا يمكن أن يكون خبَّازاً ونَّساجاً وحدَّاداً وصيَّاداً في وقت واحد.

ومن هنا كان على الفرد أن يعتمد في أموره على غيره من أصحاب هذه المهن وأن يتصل بهم ؛ لقضاء حاجاته ولا سبيل إلى هذا الاتصال ، ولا إلى قضاء الحاجات إلا بواسطة التفاهم ولا بد للتفاهم من لغة .

وأما الشق الثاني من وظيفة اللغة : هو تهيئة الوضع المناسب لتكوين مجتمع وحياة اجتماعية فإن اللغة أصل وجذر لكل ما يمكن أن نتصوره من عوامل تكوين المجتمع ، كالتاريخ المشترك والدين المشترك والأدب المشترك .....

إذْ لا يقوم شيء من ذلك بدون اللغة وكيف يمكن تَصوُّر تاريخ بلا لغة أو دين بلا لغة أو فكر بدونها أو إحساس لا يترجم عنه بها ، إن الشركة في كل أولئك هي الحياة الاجتماعية ولا تتم هذه الشركة بدون اللغة .(3)

ثانياً : أثر اللغة في حياة الفرد والمجتمع :

للغة أثرٌ فعَّال في حياة الفرد ، فهي بالنسبة لــــه وسيلة الاتصال بغيره ، وعن طريق اتصاله بغيره يدرك الفرد أغراضه ويحصل على رغباته ، كما أنها وسيلته التي يُعبِّر بها عن آماله وآلامه وعواطفه ، واللغة تهيِّئ للفرد فرصا كثيرة للانتفاع بأوقات فراغه ، وذلك عن طريق القراءة والمطالعة والاستمتاع بالمقروء ، فيغذِّي الفرد بذلك عواطفه ، وهي أداته التي يقنع بها الفرد غيره في مجالات المناظرة والمناقشة ..، كما أنها أداته التي ينصح بها الآخرين ويرشدهم وينشر بواسطتها المبادئ بينهم ويؤثر فيهم .(4)
واللغة بالنسبة للمجتمع وسيلة اجتماعية وأداة تفاهم وتعاون ، يستعملها المجتمع في أغراض شتى ، في الخطب والإذاعة والشعر والمقالات والصلاة والدعاء ..... واللغة فوق ذلك كله من عوامل الوحدة السياسية للجماعات ، فالجماعة مهما اختلفت في الدين أو الجنس أو البيئة ، فإنْ كانت لغتها واحدة تظل متماسكة متحدة.(5)

كما أنَّ اللغة تحفظ تراث المجتمع الثقافي والحضاري وتنقله عبر الأزمان من جيل إلى جيل ، كما أنها رمز المجتمع تدل عليه وتعكس صورته الثقافية والأخلاقية وصفاته المختلفة فالألفاظ بدلالاتها تدل على مستوى المجتمع.


ثالثاً: اللغة والجنس :

رأى بعض الباحثين أن اللغة تختلف من حيث بنيتها ونظمها، ومجاراتها للحياة والأحداث ، باختلاف الناطقين بها من الشعوب حسب طبيعتهم ، فلغات مجعّدي الشعر تختلف عن لغات مُلَّس الشعر ، ولغات مستطيلي الرؤوس غير لغات مستديري الرؤوس .(6)

وارتبط ذلك بالحديث عن طبيعة اللغات المختلفة –على حد تعبيرهم – فهي تعجز عن التعبير عن المعاني الكلية ، وتفتقد إلى الحيوية ، وهي لغات قاصرة عن التعبير عن متطلبات الحياة الراقية ولا يمكن لها في أي وقت أن تتطور إلى الحد الذي وصلت له اللغات الأوربية الراقية .(7)

يقول محمود السعران "لقد أغرى بعض اللغويين بإيجاد روابط بين اللغة والجنس ، واستغلت بعض المذاهب السياسية التعصب للجنس والزهو بلغته واتخذتها ذريعة لفرض سلطانها على شعوب تنتمي إلى أجناس أدنى من لغتهم فالعالم فردريك موللر قد أنشأ كتابه على أساس من هذه الفكرة ، فصنف اللغات طبقا للميزات الإتنولوجية ، فاستعرض لغات الشعوب المجعّدة الشعر واحدة فواحدة ، ثم لغات الشعوب الناعمة الشعر."(8)

والحق أنه لا علاقة ضرورية بين المميزات الجنسية كلون الشعر وتجعده أو نعومته ، ولون العينين وهيئتهما ، ولون البشرة ، وشكل الرأس ، وما إلى ذلك وبين قدرة الناس على التفكير ، أو على تعلم لغة من اللغات ومن الأدلة القريبة الحاكمة بفساد هذا الربط بين اللغة والجنس أن من اللغات ما يستفيض حتى يكون لغات جماعات تنتمي إلى أجناس مختلفة ، وهذه الجماعات على اختلافها في الجنس تجيدها ولا تأنس مشقة في تعلمها ، وذلك شأن الإنجليزية والعربية مثلا . والزنجي والإفريقي الذي يُربَّى منذ طفولته الباكرة في إنجلترا في ظروف واحدة مع الأطفال الإنجليز يتكلم الإنجليزية كما يتكلمها أبناؤها .(9)

وعلماء الإنثروبولوجيا يعثرون على جماجم بشرية يحددون أنواعها ، المستدير والمستطيل لكنهم بلا شك عاجزون عن معرفة لغات أصحابها.

أما الحديث عن اللغات المختلفة واللغات الراقية فهو غير موضوعي ، فاللغات التي تتسم بسمات (بدائية ) يمكن أن تتحول إلى راقية لو انفتح المجال أمامها ، وأتيحت لها ظروف التغير تبعاً للتحولات الاجتماعية .

رابعاً :اللغة والمكان والزمان :

للمكان أثره في اللغة فقد لاحظ اللغويون أن لغة سكان الصحراء تختلف عن لغات سكان المناطق الأخرى من سهول ، وأراض ٍ زراعية ومدن صناعية . فلغة الصحراويين خشنة الألفاظ ، غليظة الأصوات ، فالصحراوي يحتاج إلى صوت مرتفع غليظ يسمع في الفراغ الذي أمامه ، ويصل إلى ما يريد من أماكن وليست الآية الكريمة الرابعة من سورة الحجرات إلا دليل على ارتفاع صوت البدو . يقول تعالى " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون " ولكن بعد أن تَحضَّر البدو وسكنوا المدن لاحظنا تغيراً في طرق التعبير ، وأداء الأصوات ، ونظام القواعد ، فقلَّت اللهجات ، وبرزت القرشية كلغة عامة بين العرب.(10)
وللزمان تأثيره في اللغة كذلك ، فالفرد يتأثر نطقه حسب سني عمره ، وانتقال اللغة من جيل إلى جيل يترك أثره في أصوات اللغة ومفرداتها ونظمها وتراكيبها .(11)
ونلاحظ التغير الملموس في بعض أصوات العربية فالذال أصبحت قريبة من الزاي فضلا عن فقدان الإعراب في العاميات وتقصير الحركات الطويلة أو حذفها وخلق حركات غريبة .
خامساً : اللغة والنظم الاجتماعية :

تتأثر اللغة بالنظم الاجتماعية التي تكون عليها الأمة فتحمل سمات المجتمع في النواحي السياسية والاقتصادية والدين ، فالمجتمع يطبع خواصه في هذه النواحي على لغته ، فالكلمات والتعبيرات تتمشى مع شكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصاد ي والديني وغيرها من النظم الاجتماعية .
فعندما يتغير الشكل السياسي تتأثر اللغة به ، فلو درسنا مثلا الألفاظ المستعملة في عصر الإقطاع ، وعصر ما بعد الثورة في أوربا ، لوجدنا أن مدلول كلمة "سيد " قد تغير .
وللحياة الاقتصادية كذلك طرائقها ونظمها التي تتخذ من اللغة أداة فعّالة لها ، توجهها كما تشاء، فالتعامل الاقتصادي له دعاياته ووسائله في أسواق العرض والطلب ، وللتجار وأصحاب الحرف مفاهيم خاصة تتمشى مع ميولهم وأهوائهم ، و مصالحهم ، وترتبط بالأوضاع الجديدة التي تعرض لهم .(12)
وللدين كذلك أثره الفعّال في اللغة، فالمجتمع في طقوسه الدينية ، ومشاعره يسلك مسلكا لغويا ذا طابع خاص ، ولغة الدين لها ألفاظها وتراكيبها وطرائقها التعبيرية، فلننظر إلى لغة الأذان والصلاة ، والخطب الدينية والمدائح النبوية .
ونستطيع أن نلمس في لغة الأساليب الدينية ميلا إلى الإيقاعات الصوتية، والفواصل ، وتتابع الأصوات ، وتنغيم الكلام .(13)



سادساً :اللياقة اللغوية "الكلام الحرام "(14)

من الملاحظ أن كثيراً من المجتمعات تشترك في تحريم كلمات وعبارات متعلقة بموضوعات معينة كالموت ، والأمراض الخطيرة والخبيثة والأرواح لا سيما الشريرة وبعض الوظائف الفسيولوجية للجسم الإنساني . فكثير من الشعوب تستعمل عبارات لبقة بارعة تجنباً لاستعمال الكلمتين البسيطتين يموت ويمرض، والعربية الفصحى في الوقت الحاضر وفي إعلانات النعي على وجه الخصوص تتجنب كلمة "مات" وتستعمل موضعها "توفي إلى رحمة الله " أو " توفاه الله " أو "أسلم الروح " أو " ذهب إلى جوار ربه " .....، والخوف من الجن والأرواح والشياطين والعفاريت غالب على معظم الشعوب . والمصريون لا سيما النساء يدلون على الجن بـ"الأسياد"وأحيانا بـ"الأخوات " إشارة إلى الاعتقاد السائد بأن لكل من الإنس أخا من الجن كما يشيرون إلى "العفاريت " أحيانا ،بـ"بسم الله الرحمن الرحيم ".
والأمراض المعدية أو التي لا يرجى شفاؤها يعبر عنها بـ "الله يحمينا ، العياذ بالله ".
فبدلًا من أن نقول فلان مصاب بالسرطان ،نقول " فلان مصاب بـ : الله يحمينا ...... .

اللغة والفكر






أثبت بالبرهان صدق القول : " إن اللغة جسم الفكر."

1/ المقدمة:

إذا كانت اللغة هي الميزة الجلية التي يمتاز بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى فمعنى ذلك أنه هو الكائن الوحيد القادر على التواصل و التبليغ بين أفراد جنسه،حيث يستطيع أن يفهم و يفهم الآخرين، و يعبر عن أفكاره و انشغالاته، و لما كانت نفسه مزدحمة بما لا حصر له من المشاعر، و الواقع مثقل بالأشياء وجب تمييز هاته عن تلك و أضحت اللغة و الحالة هذه الوسيلة المثلى لتحقيق هذه الغاية. غير أن بعض الاتجاهات الفلسفية وجدت أن هذه الآلية(اللغة)قاصرة على استيعاب هذا الزخم الهائل من الأفكار و الأشياء. و في المقابل رأت تيارات أخرى إمكانية حصول ذلك اعتقادا منها أن اللغة و الفكر شيء واحد حتى قيل:" إن اللغة هي جسم الفكر"مما يعني أن العلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة تكامل و تجانس.
- طرح المشكلة: فما هي حقيقة هذا الموقف؟ و ماهي الأدلة التي يمكنها أن تبرهن على صحته؟ و إلى أي مدى يصمد هذا الطرح أمام النزعات الموالية الأخرى؟
2/ عرض منطق الأطروحة:
إن المتتبع و الدارس لموضوع اللغة، يجد نفسه أمام موقف يرى بأن علاقة اللغة بالفكر هي علاقة تكاملية لا انفصام فيها. حيث أنه لا يمكن أن يوجد أحدهم بغياب الأخر، و قد دافع عن هذا الرأي نخبة من الفلاسفة و علماء اللغة من بينهم زكي نجيب محمود، و ميرلوبونتي، و هيجل، و غيرهم كثير.
أ- عرض مسلماتهم:
و يستأنس هذا الموقف على مجموعة من الحجج الدامغة التي أقرها كل من العلم و الواقع و من بينها : أنه لا توجد كلمات من دون معان، فكل كلمة أو لفظة إلا و يقابلها في الذهن معنى محدد، ضف إلى ذلك أنه بواسطة الكلمات تتمايز الأشياء و المعاني في الذهن بعضها عن بعض، فنستطيع أن نفرق بينهما و نخرجها من الغموض و عندئذ يصبح المعنى محصنا حتى لا يأخذ شكل معنى آخر و قد قيل في هذا الصدد:" إن الألفاظ حصون المعاني". كذلك نلاحظ بأن اللغة تثري الفكر فبقدر ما نملك من أفكار بقدر ما نملك من ألفاظ قال هيجل:" نحن نفكر داخل الكلمات" و قال غوسدروف :" إن التفكير ضاج بالكلمات". ومن الأدلة التي يقدمها العلم فقد أثبت علم نفس الطفل أن الأطفال يتعلمون التفكير في الوقت الذي يتعلمون فيه اللغة. فالطفل عند حداثة ولادته يرى العالم كله، و لكنه لا يرى شيأ و عند اكتسابه للكلمات يبدأ هذا العالم في التمايز و أخذ معناه. و حتى في التفكير الصامت عندما ينطوي المرء على نفسه متأملا إياها فإنه يتكلم، غير أن هذا الكلام هو كلام هادئ عبارة عن حوار داخلي " فنحن عندما نفكر فنحن نتكلم بصوت خافت و عندما نتحدث فإننا نفكر بصوت عال " على حد تعبير أحمد معتوق.
ب-الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية جديدة:
1/ من حيث الشكل: يظهر من خلال ما تقدم أن هذا الموقف مؤسس على حجج غير قابلة للرد و الدحض بل بالعكس من ذلك هي التي يمكنها أن ترد و أن تدحض، فالادعاء باستقلالية الفكر عن اللغة ادعاء لا مبرر له فكيف يمكنني أن أفكر دون أن أتكلم؟
2/ من حيث المضمون: لذلك إذا اعتبرنا أن الفكر هو مجموعة من المعاني المتمايزة فإن سر هذا التمايز هو الذي تحدثه اللغة و بالتالي لا وجود لفكر داخلي معزول، إنه لا يوجد خارج عالم الكلمات ، هذا من جهة و من جهة ثانية فقد دلت الدراسات على أن اللغة ليست مجرد كلمات نرددها و إلا كانت الكلمات التي ينطق بها الببغاء لغة أيضا.
و من جهة ثالثة، إذا ما نحن رجعنا إلى الرمز و تمعنا فيه نجد أن قيمته متضمنة فيما يحمله من الوعي الذي يعطيه معناه. فاللغة إذن هي جسم الرمز و المعنى هو روحه و لا يمكن الفصل بين جسم و روحه.
ج- نقد منطق الخصوم:
1/ عرض منطقهم: لكن هذا الطرح لم يلق ترحيبا من طرف فلاسفة آخرين في مقدمتهم الفيلسوف الحدسي الفرنسي" برغسون" إذ اعتقد هذا الأخير أن علاقة اللغة بالفكر هي علاقة انفصال و تمايز و أن الفكر أسبق من الناحية الزمنية عن اللغة، فأنا أفكر ثم أتكلم. و دليله و من سار على دربه هو أنه لا يوجد تناسب بين ما نملكه من أفكار و ما لدينا من ألفاظ و الذي يوحي بذلك هو توقف المتكلم أو الكاتب طويلا باحثا عن اللفظ المناسب الذي يؤدي المعنى، بالإضافة إلى أن الألفاظ ثابتة و محدودة و منفصلة بعضها عن بعض في حين أن الأفكار متصلة و دائمة فهي ديمومة مستمرة لا تعرف الانقطاع فيمكنني أن أتوقف عن الكلام في حين لا أستطيع التوقف عن التفكير. قال برغسون :" نحن نفشل عن التعبير بصفة كاملة عما تشعر به روحنا لذلك الفكر يبقى أوسع من اللغة" و قيل في هذا الصدد أيضا :" إذا كانت كلماتي من ثلج فكيف يطفئ ما بداخلي من نار". و يرون أيضا أن المعنى أوسع بكثير من اللفظ الذي يحمله لذلك الألفاظ عندهم قبور المعاني.
2/ نقد موقفهم:
أ-من حيث الشكل : إن التبريرات التي قدمها برغسون و من نحا نحوه غير مؤكدة علميا و تبدو ظاهرية فقط و تستند إلى منطق بعيد عن الواقع و يمكن الرد علها بما يلي:

ب- من حيث المضمون:لا يوجد فاصل زمني بين عملية التفكير و عملية التعبير، فالتفكير الخالص بدون لغة كالشعور الفارغ لا وجو له، فكل فكرة تتكون في قالب من الرموز التي تحتويها و تعطي لها وجودها و بالتالي فإن الفكر لا ينفصل عن اللغة إذ ليست هذه الأخيرة كما إعتق برغسون ثوب الفكرة بل جسمها الحقيقي. و حتى عندما يتردد المرء باحثا عن الكلمات المناسبة فهو في الواقع يبحث عن أفكاره و حتى لو سلمنا بوجود أفكار خارج الكلمات فإنها ستكون أفكارا غامضة لا ندركها، لن ما ندركه جيدا نعبر عنه تعبيرا جيدا. فالكلام ليس صورة ثانية أو نسخة أخرى من شيء وراءه اسمه فكر، بل الفكر هو الكلام نفسه و طريقة تركيبه لذا قال هيجل:" إن التفكير بدون كلمات لمحاولة عديمة المعنى فالكلمة تعطي للفكر وجوده الأسمى و الأصح".
3/ الفصل النهائي للمشكلة:
يتبين إذن مما سبق ذكره أن العلاقة بين اللغة و الفكر علاقة وطيدة لا يمكن فصل أحدها عن الأخر و يحق لنا القول أنه فعلا تعد اللغة جسم الفكر التي بدونها لا يمكنه الظهور و لقد صدق سقراط عندما بين ذلك قائلا لمحاوره:" تكلم معي حتى أراك"


Phonemes

         تسمى العناصر أو الأصوات المشكلة للكلمة فونيمات : Phonemes (1) ، فالراء ، الجيم واللام في كلمـة "رجل " كل منها فونيم أو صوت، وتعرف الصوتية أو "الفونيما " على حد تعبير بلومفيلد الذي يعد أول من عرفها بأنها (( أصغر وحدة من وحدات السمات الصوتية المتمايزة ))
 (2)، أو هي على حد تعبير تروبتسكي (( أصغر وحدة فونولوجية في اللسان المدروس )) (3) ، ومن ذلك على سبيل التمثيل في العربية (( حرف الهجاء " ص " يتمايز عـن حرف الهجاء " س " في كلمتين "صار "و"سار " فيكون صوت الصاد متمايزا عن صوت السين لأن اختلاف الكلمتين في المعنى يرجع إلى هذا الاختلاف بين صوتي الحرفين .)) (4)
  وهذا ما سبق لابن خلدون أن لمح إليه في معرض حديثه عن الحرف، وهو عنده (( كيفية تعرض من تقطيع الصوت بقرع اللهاة وأطراف الأسنان من الحنك والحلق والأضراس أو بقرع الشفتين، فتتغاير كيفيات الأصوات بتغاير ذلك القرع وتجيء الحروف متمايزة في السمع وتتركب منها الكلمات الدالة على ما في الضمائر والتي يختلف نظامهــا باختلاف الأمم وهو تعريف أساسي يأخذ في عين الاعتبار كيفية إخراج الصوت من المتكلم وكيفية تلقيه من السامع مما لا تثبته حتى التعريفات الحديثة .)) (5) 
    ويتفق اللسانيون مع ما ذهب إليه بلومفيلد حيث يستخدمون مصطلح الفونيم (( للدلالة على أصغر وحدة فـي السلسلة الكلامية محددة بصفاتها المميزة ، وقد تختلف الصفات المميزة للفونيم الواحد من لغة إلى أخرى ، فالباء فـي الفرنسية توصف بالجهر لأن في الثنائية " Bas - Pas  "يفرق الجهر بين الكلمتين ـ بينما انعدام حرف مهموس لـه باقي صفات الباء في العربية يجعل هذا النوع من التقابل غير ممكن .)) (6)
   ومما عليه إجماع الباحثين أنه ليس للفونيم ـ وباستثناء الوظيفة أو القيمة الصوتية ـ أية قيمة أو وظيفة أخـرى يؤديها ، ذلك أن المستوى الصوتي كما يرى مارتيني (( تخلو عناصره من المعنى )) (7) ، وهذا ما ينطبق في العربيـة على العناصر المشكلة للكلمة المجردة أو ما يعرف بـ" الجذر" الذي لا تتغير صورته الصوتية والبنيوية والإعرابية إلا في حالة تصريفه أو إسناده .
    وقد كان لعلماء اللغة وعلماء الأصول العرب أن تنبهوا إلى هذه المسألة حيث التفتوا في معرض حديثهم عـن الكلام وقيوده إلى الصوت إذ أخرجوا الحرف الواحد من دائرة الكلام ، وهو عندهم (( ما انتظم من الحــروف المسموعة المميزة المتواضع على استعمالها ، الصادرة عن مختار واحد وقصدوا بالقيد الاحتراز عن الحرف الواحـد كالزاي من زيد .)) (8) 
     فالزاي من زيد إذاً صوت أو حرف أو وحدة غير دالة أو فونيم على حد تعبير مارتيني ، ومثلها (( " إنْ " فـي قولنا : " إنسان "، وإن دلت على الشرطية لأن دلالات الألفاظ ليست لذواتها ، بل هي تابعة لقصد المتكلم وإرادته  ونعلم أن المتكلم حيث جعل " إن " الشرطية لم يقصد جعلها غير شرطية )) (2) ، فـ " إن " من لفظ الإنسان وإن كانت تشكل مقطعا طويلا له دلالته خارج اللفظ الذي وردت فيه، فهي غير دالة ولا يمكن اعتبارها " إن " الشرطية  لأنها في هذه الحالة جزء من كلمة ولا تدل على شيء من معناها وهذا ما يتفق والاتجاه اللساني المعاصر .    
    فالكلمة إذاً تتشكل كما هو جلي من فونيمات متماسكة فيما بينها بحيث لا يمكن تجزئتها أو الفصل بينها ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا :
ـ بالمدرجِ أستاذٌ  .
ـ في الجريدةِ مقالٌ ، فإنه يمكن أن نكتب :
ـ بهذا المدرجِ أستاذٌ ـ في هذه الجريدةِ مقال .
 وهذا بفصل حرف الجر " ب " عن المجرور " المدرج " و " في " عن " الجريدة " باسم الإشارة " هذا " و " هذه " ، وهذا من دون خلل في المعنى ، الأمر الذي يرينا أننا بإزاء كلمتين في الحالة الأولى " ب + المدرج " والثانية " في + الجريدة " وعليه (( فالتجزيء يكون بطريقتين :
ـ إما بإدراج عنصر داخل الوحدة : بالدار ـ بهذه الدار .
ـ أو بتغيير الموقع : أهذا رجلٌ ؟ ـ أ رجلٌ هذا ؟ ـ جاء الصديقُ ـ الصديقُ جاء .))
 (9) 
    والملاحظ أنه وإن لم يكن للصوتم أو الفونيم إلا الوظيفة الصوتية كما سبقت الإشارة ، فإن أهميته تكمن في أنـه (( يعين صاحب اللغة على التفريق بين المعاني )) (10) ، ومن ذلك على سبيل المثال قولنا في العربية "بات "و "مات " إذ لا سبيل للتمييز بين معنى الفعلين إلا من خلال التمييز بين الفونيمين " الباء " في " بات " و " الميم " في " مات ".
 والجدير بالإشارة أن الفونيم نوعان الأول (( فونيم قطعي" Segmental "ويشمل كل الصوامت والصوائت )) (11)  والثاني (( فونيم فوقطعي Suprasegmental  ، ويتمثل في كل من الفاصل Juncture والنغم Pitch والنبـــرة Stress وطول الصوت Word - length  ، وقد أولت مدرسة براغ هذه المتصورات عناية فائقة ، وطورت بعـض المفاهيم الأخرى التي ساعدت على تحليل اللغة بطريقة دقيقة للغاية .))

الجهر والهمس عند القدماء

أولآً .. تعريف القدماء لظاهرتي الجهر والهمس :
يُعَدُّ تعريفُ سيبويه (ت 180هـ) (1) للصَّوْتِ المجهورِ والمهموسِ أساسًا وقاعدةً ارتكَزَ عليها عُلَمَاءُ التجويد من بعده فلم يخرجوا عليه بل ردَّدوا عباراته بنصها. (2)
قال سيبويه : "فالمجهور حرفٌ أشبِعَ الاعتمادُ في موضعهِ ، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي
الاعتمادُ عليه ويجريَ الصَّوت. فهذه حال المجهورة في الحلق والفم ، إلا أن النون والميم قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنّة. والدليل على ذلك أنك لو أمسكتَ بأنفك ثم تكلمت بهما لرأيتَ ذلك قد أخل بهما.
وأمّا المهموسُ فحرفٌ أضعف الاعتماد في موضعِهِ حتى جرى النفس معه. وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرتَ فردّدتَ الحرف مع جري النّفس. ولو أردتَ ذلك في المجهورة لم تقدر عليه. فإذا أردت إجراء الحروف فأنتَ ترفعُ صوتكَ إن شئتَ بحروف اللين والمد. أو بما فيها منها ، وإن شئت أخفيت". (3)
ولعلَّ القارئ الكريم يلاحظ معنا بعد التأمل في كلام سيبويه غموضا واضحا في بعض جوانبه! ولذا فقد حاولَ بعضُ علماء التجويد تقديم تعريفٍ أوضح من تعريف سيبويه ، كتعريف طاش كبرى زادة (ت 968هـ) (4) وذلك حيث يقول : " إنّ النفس الخارج الذي هو وظيفة الحرف ، إن تكيف كله بكيفية الصوت حتى يحصل صوت قوي كان الحرف مجهورا ، وإن بقي بعضه بلا صوتٍ مع الحرف كان الحرف مهموسا ". (5)
فهذا التعريف وإن كان أوضح من تعريف سيبويه بقليل ، إلا أنه لم يصل لحدّ الوضوح التام في تحديد الفرق ين المجهور والمهموس.
ولعلّ سيبويه كان أكثر دقّة ووضوحا في تحديد طبيعة كلٍّ من الصوتين وذلك في الرواية التي نقلها

________________________
(1) انظر ترجمته : ابن النديم : " الفهرست " ص 81 ، وعمر رضا كحالة : " معجم المؤلفين " / 2  584
(2) انظر مثلا : مكي بن أبي طالب : " الرعاية " ص 116 و117 ، والداني : " التحديد " ص 105 ، والقرطبي :
" الموضح " ص 88 ، وابن الجزري : " التمهيد " ص 86 و87
(3) نقلا عن : غانم قدوري الحمد : " الدراسات الصوتية عند علماء التجويد " ص 127
(4) انظر  ترجمته : عمر رضا كحالة : " معجم المؤلفين " / 1  308
(5) نقلا عن : غانم قدوري الحمد : " الدراسات الصوتية " ص 136
السيرافي (ت 368هـ) (1) حيث ذكر أن الأخفش (ت 215هـ) (2) قال : " سألت سيبويه عن الفصل بين المهموس والمجهور...قال سيبويه : وإنما فرَّقَ بين المجهور والمهموس أنك لا تصل إلى تبيين المجهور إلا أن تدخله الصّوت الذي يخرج من الصدر ، فالمجهورة كلها هكذا يخرج صوتهن من
الصدر ويجري في الحلق...وأما المهموسة فتخرج أصواتها من مخارجها ، وذلك مما يزجي الصوت ،
ولم يعتمد عليه فيها كاعتمادهم في المجهورة ، فأخرج الصوت من الفم ضعيفا...". (3)
ثانيا: خصائص الأصوات المجهورة والمهموسة عند القدماء :
أدرك الأوائل أنّ لكلٍّ من الأصوات المجهورة والمهموسة خصائص تميّزهما عن بعضهما ، وتتلخص في الآتي :
1- ) لاحظوا أنّ نَفَسَ الحرف المجهور قليلٌ مقارنة بكمية النفس الجاري مع الحرف المهموس ، فالمجهور (يمنعُ النّفَسَ أن يجري معه عندَ النطقِ به) والمهموس ( يجري النفس معه ) ، والمقصودُ بالنَّفَسِ : أي الهواءُ الذي هو أصلُ الصَّوت .
إنَّ سيبويه ومن تبعه من العلماءِ الأوائلِ قد لاحظوا بفطرتهم السّليمة وحسّهم المرهف وبالتجربةِ الذَّاتية أنَّ النفس (الهواء) المصاحب للحروفِ المجهورةِ لا يجري معها كما يجري مع الحروفِ
المهموسة ، ولم يكن مرادهم بِقولهم " يمنع النفس أن يجري معه " نفي جريان النَّفَسِ بالكلية مع الأصوات المجهورة.
ولو قال سيبويه ومن تَبِعَهُ في تعريف الصَّوْتِ المجهور بأنه (... منعَ النَّفَسَ أن يجري معه كما يجري
مع المهموس ) لكان تعريفهم – في نظري - أوضح وأقل غموضا ، لكننا نجدُ كلامًا صريحا لمحمّد المرعشي (ت 1150هـ) (4) في كتابه (جهد المقل) حول مسألةِ نَفَسِ الصوت المجهور والمهموس وذلك في قوله : " نفس الحرف المجهور قليل ، ونفس الحرف المهموس كثير ". (5)
2- ) قوةُ الصوتِ الجهريّ  ، أمّا المهموسُ فهو صوتٌ ضعيف لا يصلُ لقوة المجهور.
قال مكي بن أبي طالب القيسي ( ت 437هـ) (6) معللا سَبَبَ تسمية الحروف المهموسة بهذا
________________________
(1) انظر  ترجمته : ابن النديم : " الفهرست " ص 99 ، وعمر رضا كحالة : " معجم المؤلفين " / 1  561
(2) انظر  ترجمته : المصدران السابقان ص 82 و 83 ، و/ 1  769
(3) نقلا عن : إبراهيم أنيس : " الأصوات اللغوية " ص99 ، وغانم قدوري الحمد : " الدراسات الصوتية " ص 130 
(4) انظر ترجمته : عمر رضا كحالة : "معجم المؤلفين "/ 3  711
(5) نقلا عن : غانم قدوري الحمد : " الدراسات الصوتية عند علماء التجويد " ص 138
(6) انظر  ترجمته :  ابن الجزري : " غاية النهاية في طبقاة القراء " ص309 و 310
الاسم : " لأن الهمس : هو الحِسّ الخفي الضعيف ، فلما كانت ضعيفة لُقِّبَتْ بذلك ، قال الله جلّ ذكره : " فلا تسمع إلا همسا " قيل : هو حِسُّ الأقدام". (1)
ووصَفَ الحروف المجهورة بأنها حروفٌ قوية ، والجهر : هو الصوتُ الشّديد القوي . (2)
وتابعه أبو عمرو الداني ( ت 444هـ) (3) في ذلك بقوله : " ومعنى المجهورة أنه حرفٌ قَوِيَ
الاعتمادُ في موضعه ، فمنع النَّفَسَ أن يجريَ معه . والهمسُ الإخفاء ، والجهرُ الإعلان ". (4)
نستطيعُ القولَ بناءً على تعريفاتِ علماءِ التجويدِ لصفتي الجهر والهمس بأنهم قد أدركوا هذا الأثر السمعيّ للأصواتِ المجهورَةِ فوصفوها بالقوة والوضوح والإعلان ، وأدركوا كذلك أنَّ الأصوات
المهموسة أضعف وأقلّ وضوحا في أذُنِ السّامع.

النبر

النبر
1.  ورد مصطلح (النبر) عند القدماء من علماء اللغة وعلماء التجويد للدلالة على صوت الهمزة (الوقفة الحنجرية)، وأطلق علماء التجويد مصطلح (النبرة) -بتاء التأنيث- على الصويت الذي يلي حروف القلقلة.
2.  أدق الطرق لدراسة النبر بغية الوصول إلى نتائج لا تتداخل أحكامُها هي دراسة النبر مُصنفا بأقسامه وخصُّ كل قسم بالاختلاف الذي وقع فيه وبالنصوص الواردة فيه، وبناء على ذلك يمكن تقسيم النبر إلى ما يأتي:
أولا: النبر الجملي، وهو: ضغط نسبي على كلمة من كلمات الجملة أو على ما كان في حكم الكلمة الواحدة ليكون ذلك الجزء المضغوط أبرز من غيره من أجزاء الجملة.
ثانيا: النبر الكلمي، وينقسم على:
1- نبر الشدة، وهو: ضغط نسبي يستلزم علوا سمعيا لمقطع على غيره من المقاطع، ويسمي باحثون آخرون هذا النوع من النبر (النبر الزفيري) و(نبر التوتر) أو (النبر الديناميكي)، وهي تسميات تشترك في دلالتها على قوة النفس عند النطق بالمقطع المنبور.
وموضع نبر الشدة من الكلمة هو المقطع، ويقع عند كثير من الباحثين تساهل بنسبة هذا النوع من النبر إلى صامت المقطع لا إلى المقطع كله.
ب - نبر الطول، وهو: إطالة زمن النطق بالصوت، ويسمي باحثون آخرون هذا النوع من النبر (نبر الزمن) و(النبر الزمني)، و(نبر المدة)، و(النبر المدي) و(النبر الطولي).
وإنما يندرج في مفهوم النبر تطويلُ الصوت لا طولُه، ومعنى ذلك أننا نُعنى -في سياق الحديث عن النبر- بالتفريق بين الطول الأصلي للصوت والطول المكتسب الناتج عن نبر الطول، وبذلك يتضح الفرق بين مفهومي (الخصائص الأصلية) و(الخصائص الطارئة) للمقطع أو الصوت.
وينقسم نبر الطول على قسمين:
أ - نبر الطول في الصوائت، وهو: إطالة زمن النطق بالصائت، مثل تطويل الألف في (رائع) أو الواو في (هدوء) تعبيرا عن غرض كلامي ما.
وللقدماء عناية ببيان هذا النبر، وإن لم يكونوا أبانوا عنه بمُسمى (النبر)، فقد وردت تسمية إطالة زمن الصائت بـ(الإشباع) و(المد) و(المطل)، وقد تطور ذلك عند التجويديين وتعددت أنواع مدود القرآن وألقابها، وتعددت طرق قياس الصوائت عندهم، فذكروا لقياس زمن الصائت طُرقا عدة.
ب - نبر الطول في الصوامت، وهو: إطالة زمن النطق بالصامت، مثل تطويل الحاء في (تُحفة) أو الدال في (مُدهش) تعبيرا عن غرض كلامي ما.
وقد دعا إلى إثبات (نبر الطول في الصوامت) قسما من أنواع النبر أمور: انطباق عموم مفهوم نبر الطول عليه، أن إثباته تتكافأ به التقسيمات وتتناظر به أنواع النبر، أن في كلام عدد من المعاصرين إشارة إليه وإن لم ينصوا عليه صراحة.
ثالثا: النبر الانفعالي، وهو: ضغط على جزء من الكلمة يصاحب انفعالات المتكلم وتعبيرَه عن عواطفه.
وأبرز مجال لملاحظة هذا النبر ما ارتبط من الكلام بالعاطفة وقصد إبرازها؛ مثل إلقاء الخطب الحماسية والقصائد الشعرية، ويخضع هذا النبر للطبيعة الفردية وقصدها التعبير عن غرض خاص، وحتى في اللغات التي ينتظم فيها موضع النبر قد يوضع هذا النبر على مقطع غير المقطع الذي يقع عليه النبر عادة.
3.  ترتبط أنواع النبر بالمستوى الصوتي من جهة السمات الصوتية التي تقوم عليها خصائص النبر، ثم ترتبط أنواع منه بمستويات أخرى وينبني ذلك على دلالته، فيرتبط النبر الجملي بالمستوى التركيبي، ويرتبط النبر الكلمي بالستوى الصرفي أو المستوى المعجمي، ويحدد ذلك فونيمة النبر في تلك اللغة.
4.  (نبر الشدة) هو أكثر ما يُعنى به اللسانيون العرب المعاصرون من أنواع النبر، وهو ما يدور حولَه أكثر الاختلاف في العربية، وقد كان ذلك لأمور، منها: أنه أوسع أنواع النبر ورودا في الكلام، وأن إثباته حكمٌ على كل صيغة عربية ووضعُ قواعدَ نبريةٍ عامةٍ للأوزان الصرفية المتنوعة؛ فإثباته تسوية له بقواعد الصرف إلزامًا.
أما نبر الطول والنبر الجملي فليس في ارتباطهما بالعربية من المشكلات مثل ما يوجد في نبر الشدة، وقد درس العرب إطالة الصائت في صور عدة مثل أنواع من المدود، وتحت مصطلحي الإشباع والمطل، والأمر في شأن النبر الجملي شبيه بذلك، إذ النصوص التي يُستدل بها على وجوده في العربية أدلّ من النصوص التي يستدل بها على وجود أنواع أخرى من النبر في العربية.
5.  هناك خلاف كثير بين المعاصرين بين مدلولي مصطلح (stress) ومصطلح (accent)، وهو ما يؤدي أحيانا إلى الاختلاف في توظيف مصطلحي (النبر) و(الارتكاز).
6.  ذهب عدد من المعاصرين في وصف فسيولوجية النبر أن جميع أعضاء النطق تبذل أقصى طاقتها عند النطق بالمقطع المنبور، والصواب أن النبر نشاط إضافي لأعضاء الجهاز الصوتي المُشترِكة في نطق المقطع المنبور.
7.  يُعدّ التداخل بين الفونيمات الثانوية في حدودها ووظائفها إحدى مشكلات دراسة النبر في العربية، ومما يعين على بيان مفهوم النبر أن توضع حدود واضحة بين النبر والفونيمات الثانوية الأخرى، ويمكن وضع الحدود التالية في المستوى والدلالة بين (أنواع النبر والتنغيم والنغم):
النبر الجملي: يقع على مستوى الكلمة أو ما كان في حكمها، للدلالة على ما يراد تأكيده أو ما يُستغرب من الجملة.
نبر الشدة: يقع على مستوى المقطع، وتعود دلالته إلى فونيمية النبر في تلك اللغة نفسها.
نبر الطول: يقع على مستوى أحد أصوات المقطع، وتعود دلالته إلى التعبير عن مطابقة الأداء الكلامي للسياق ويقع عند الانفعال والاندهاش أو تأكيد وصف ما في الكلام.
التنغيم: يقع على مستوى الجملة أو ما كان في حكمها، ودلالته تركيبية تعود إلى الدلالة العامة للجملة (الإخبار، الاستفهام، التعجب ...الخ)، وله وظيفة أخرى وهي بيان مشاعر المتحدث من دهشة ورضا وسخط وازدراء.
وثمة صلة بين التنغيم ونبر الطول، فاستطالة التنغيم في الجملة لا يتأتى إلا عبر التحكّم بزمن صوائت الجملة، فطول التنغيم وقصره يعتمد على زمن النطق بالصوائت.
النغم: يقع على مستوى الكلمة، ودلالته معجمية.
8.  تتغير مواقع الفونيمات الثانوية إذا تغيّر ركنا الجملة فحُذف أحدهما أو كلاهما وناب منابهما ما يدل عليهما، والتنغيم هو أبقى الفونيمات الثانوية حضورا، ولذلك يقع على مستوى الكلمة، بل إنه يقع على مستوى المقطع.
9.  اختلف الباحثون المعاصرون في دراسة العرب للنبر، فذهب أكثر المعاصرين إلى أن العرب لم يدرسوا النبر، ويرى الباحث تفريع هذا السؤال إلى أسئلة يتعلق كل واحد منها بنوع من النبر، وعليه يقال: إن للعرب إشارات للنبر على مستوى الكلمة (النبر الجملي)، وأنهم درسوا ظواهر صوتية عدة متصلة بمفهوم (نبر الطول). أما (نبر الشدة) فيترجح للباحث أن اللغويين الأوائل لم يدرسوه، ولا يوجد مصطلح في التراث العربي يناظر مصطلح (word stress).
10.  ذهب بعض الباحثين إلى أن مصطلح (الهمز) عند القدماء كان نظيرا لمصطلح (النبر) -أي الضغط على المقطع- عند المحدثين، ثم حصل تطور في مصطلح الهمز وأصبح لقبا لأحد الحروف الهجائية، وتابع هذا الرأي عدد من المعاصرين، وقد خالف الباحث ذلك، ورأى أنه لا يصح القول بأن الهمز كان نظيرا لمصطلح النبر بمعنى الضغط، ورجّح أن النسبة بين المصطحين هي التغاير لأسباب؛ منها: عدمُ استكمال ذلك الرأي لعدة تصوّرات من جهة زمن التطور وبدايته ومحلّه، عدمُ وجود أي إشارة من القدماء إلى مثل ذلك الانتقال في هذا المصطلح، اختلافُ مفهوم النبر (بمعنى الضغط) عن مفهوم النبر (بمعنى الهمز)، تفسير الهمز بمعنى الضغط يلزم منه عدم اتخاذ النبر مكانا ثابتا في الكلمات ذات البنية المقطعية المتشابهة، غموضُ مقولات يتبناها ذلك الرأي.
11.  ينسب عدد من علماء التجويد المعاصرين نبرا إلى كلماتٍ في القرآن لتمييز الزائد في الكلمة عمّا كان أصلا منها، وعدّ الباحث هذا القول رأيا اجتهاديا من هؤلاء العلماء التجويديين، لأمور منها: أنه خالفهم في ذلك عدد آخر من علماء التجويد المعاصرين، وكلا الفريقين يحتج بالرواية عن الأشياخ، أنهم لا يستندون في هذا الرأي إلى نص لعلماء التجويد المتقدمين وهم الحجة الأولى المعوّل عليها في هذا الشأن، أن الحجة التي يعتلّ بها العلماء المعاصرون –وهي خوف الالتباس- غير حاصلة ولا يقع مثل هذا الالتباس إلا عند النظر إلى تلك الكلمات منعزلة عن سياقها.
وينبغي التنبّه إلى أن مواضع النبر التي يذكرها عدد من علماء التجويد المعاصرين، ليست من جنس القواعد العامة التي يقررها اللسانيون المعاصرون، والتي تنسب النبر إلى كل صيغة عربية على حدة، بل مواضع النبر عند علماء التجويد مختصّة بإزالة اللبس وتمييز ما كان أصلا في الكلمة عما كان زائدا فيها وحسب.
12.  رأى عدد من الباحثين المعاصرين أن سبب ترك اللغويين القدامى دراسةَ النبر أنه غير فونيمي في اللغة العربية، ورأى الباحث أنه لا يمكن عدّ ذلك سببا كافيا لأمور: أن مثل ذلك التعليل يجيز أنه كان للعربية نظام نبري ولكن لما كان غير متعلق بالمعنى فقد أُهمل، أن النبر إذا كان نظاما من الأنظمة المكونة للملامح الصوتية للغةٍ ما فإنه يدرس في تلك اللغة سواء كان النبر فونيما أم لم يكن بدليل أن عددا من اللغات الأوربية يُدرس فيها النبر مع أنه ثابت الموقع غير ذي دلالة صرفية أو معجمية، أنه لا يمكن وصف الدراسات الصوتية عامة أو العربية خاصة أنها تقتصر على الظواهر المتعلقة بالمعنى، بل إن للعرب عناية ظاهرة بما يحقق ويضبط المنطوق الصوتي.
13.  ذهب بعض الباحثين إلى أن سبب عدم دراسة العرب للنبر أنهم لم يدركوا نظام المقاطع، ويرى الباحث أن العرب أدركوا تقسيما صوتيا للكلام يقوم على الحركة والسكون، وهو مفهوم يقارب مفهوم المقاطع، ولو كان ثمة نظام نبري في العربية لما عجزوا عن إدراك المقطع وقد أدركوا النواة الأولى لإدراكه، وهي تقسيم الكلام إلى أجزاء صغرى تقوم على الحركة والسكون.
14.  كانت دلالة ترك اللغويين القدامى لدراسة النبر في العربية –عند عدد من المعاصرين وعند الباحث- هي عدمُ وجود نظام نبري في العربية، ويدل على ذلك أمور: أن النبر ظاهرة لغوية مُدركة بالإذن المجردة ولا يتوقع من اللغويين القدامى عدم إدراك ذلك لا سيما أنهم قد أدركوا ظواهر أخفى وأندر ورودا من النبر، أن العرب درسوا اللهجات العربية في مستوى الأداء الكلامي، وهو مستوى يأتي بعد المستويات الأربعة المعروفة والمستوى الذي ينبغي أن يظهر فيه الاختلاف في نبر الكلمات، أن هناك ما يدل من كلام سيبويه على أنه أدرك مفهوما ذا صلة وثيقة بالنبر وهو تفاوت شدة النطق بالصوت الواحد.
15.  سلّم باحثون آخرون بأن اللغويين القدامى لم يدرسوا النبر ولكنهم خالفوا في دلالة ذلك، وأمكن عندهم نسبة النبر إلى العربية مع ترك دراسة اللغويين القدامى لها بحجج مختلفة، منها: تأثير الشعوب المختلفة على العربية، أن النبر لازم لتحقيق النطق العربي، أن النبر لم يُدرس إلا لصعوبة تحديد مواضعه ووضع قواعده وذلك لا يدل على عدم وجوده في العربية، أن العربية الفصيحة حافلة بتقصير الحركات ومدّها وتضعيفها وذلك هو أثر النبر، أن العربي شديد الحرص على بيان مقاصده الكلامية وأغراضه النطقية وهذا لا يتحقق إلا باستعمال النبر، أن النبر أمر حتمي لا تخلو منه اللغة، وقد ناقش الباحث تلك الآراء ذاكرا أدلته التي يعتمد عليها في مخالفتها.
16.  هناك ما يؤخذ على قواعد النبر عند المعاصرين من جهة المنهج ومن جهة دقة القواعد وشمولها، فمما يشكل عليها من جهة المنهج: عدم وجود معيار ثابت لاستخراج النبر في العربية التراثية، غموض مفهوم الكلمة في سياق ذكر قواعد النبر، غياب العودة إلى كتب التراث، التداخل بين العامية والفصحى في وصف النبر في العربية، ومما يؤخذ عليها من جهة دقتها وشمولها: عدم شمول هذه القواعد للكلمات في السياق، عدم شمول هذه القواعد لأنواع الكلام.
17.  يرى أكثر الدارسين الذين يثبتون النبر في العربية أن النبر في العربية غير فونيمي ولا ينبني عليه اختلاف المعنى، وخالف الرأيَ السابق عددٌ من الباحثين فأثبتوا صورا عدة رأوا من خلالها أن للنبر في العربية وظيفة تمييزية، فهو فونيم يفرق بين المعاني، ويرى الباحث أن الذين أثبتوا فونيمة النبر في العربية وقعوا في أمور، منها: عزلُ الكلمات عن سياقها وإهمال القرائن الإعرابية، نسبةُ نبر مختلف إلى صيغتين بطريقتين مختلفتين مع عدم الاعتماد على نص دال على أن النبر في تينك الصيغتين كان بمثل تلك الطريقة المفترضة، الخروجُ عن مفهوم النبر وهو الضغط على مقطع- إلى إضافة فونيمات رئيسة أو استبدال أخرى بها.
18.  لا يمكن الاعتماد على النبر في تفسير الظواهر اللغوية خلافا لعدد من الدارسين المعاصرين لأن الملامح الدقيقة للنبر في العربية التراثية التي ينبني عليها تفسير الظواهر لا يمكن التعرف عليها، ولأن أثر النبر في تطويل المقطع الواقع عليه وتقصير المقطع المجاور له –قضيةٌ غير مطردة وغير محسومة في كلام المعاصرين وأمثلتهم، كما أن تطويل الحركات وتقصيرها غير مقتصر على النبر حتى يتأتى الجزم بعزو مثل ذلك الأثر إليه، وقد صرّح بعض المستشرقين بأن الدارسين الأوربيين تأثروا بنظام النبر الموجود في لغاتهم وافترضوا مثل ذلك التأثير في تفسير الظواهر اللغوية في لغات أخرى.
19.  نتائج التحليل الأكوستيكي ثم الاختبار الإدراكي للبنى المقطعية الأربع (ص ح/ ص ح/ ص ح) و(ص ح ص/ ص ح ص) و(ص ح ص/ ص ح/ ص ح) و(ص ح/ ص ح ح) في عشرة أمثلة لكل بنية عند كل واحد من المقرئين الثلاثة؛ (الشيخ الحصري والشيخ الحذيفي والشيخ الحليلي) تُظهر ما يلي:
أ‌ -  الكلمات ذات البنى المقطعية المتناظرة، وهي البنيتان المقطعيتان (ص ح/ ص ح/ ص ح) و(ص ح ص/ ص ح ص) يظهر فيها حالة بيّنة من عدم الاستقرار لعوامل النبر الثلاثة (المدة، الشدة، التردد الأساس)، فضلا عن ظهور حالة اللا أفضلية بشكل بيّن في التحليلين الصوتيين (الأكوستيكي والإدراكي)، ولا يمكننا أن نقف على قيمٍ تدلّ على استئثار مقطع من المقاطع على عاملين من عوامل النبر فضلا عن استئثار أحد المقاطع بعوامل النبر جميعها، وإذا كان هناك غلبة –لا سيطرة تامة- لأحد المقاطع على أحد عوامل النبر عند قارئ ما، فإن ميزة الأغلبية تلك تكون مقابلة بأفضلية لمقطع آخر بعامل آخر من عوامل النبر.
ويمكن القول –بناء على ذلك- إن التحليل الصوتي مُمثلا بالتحليل الأكوستيكي ثم الاختبار الإدراكي لا يطابق مواطن النبر التي ينصُّ عليها المعاصرون في صيغة (ص ح/ ص ح/ ص ح) وعدد منهم في صيغة (ص ح ص/ ص ح ص).
ب‌- الكلمات ذات البنى المقطعية غير المتناظرة، وهي البنية المقطعية (ص ح ص/ ص ح/ ص ح) التي يتفوق فيها أحد مقاطعها بعدد الصوامت والبنية المقطعية (ص ح/ ص ح ح) التي يتفوق أحد مقاطعها بطول الصائت نجد –في أغلب الحالات لا كلها- أن عوامل النبر تكون لصالح المقطع الأثقل أو الأطول في الكلمة.

اسباب التغير الدلالي

التغييرات تحدث في اللغة دائما لأنها نظام للتواصل بين الناس مرتبطة بأحوالهم وظروفهم الاجتماعية والثقافية والعقلية، وهذه الأحوال والظروف لا تسير على وتيرة واحدة. ومتى توفرت الأسباب حدث التغيير حسب طرق وأصناف معينة. لذا يجب التفريق بين أسباب التغير الدلالي وطرق التغير الدلالي. فالأسباب هي الظروف المهيئة للتغير بينما الطرق هي الوسائل والخطوط التي يسلكها التغير. وقد ميز العلماء عددا من أسباب التغير الدلالي: [1]

(أ) الأسباب التاريخية: وهي أسباب ناتجة عن تغير المجتمع أو الأشياء أو تغير النظرة إليها، ويمكن تمييز عدد من الأسباب التاريخية:
(1) تغير الشيء وبقاء اللفظ: فالشيء قد يتغير شكله أو وظيفته ولكن اسمه يبقى فيظهر اختلاف بين الشيء الأول الذي وضع له الاسم والشيء في الوقت الحاضر، ومن أمثلة ذلك:
الخاتَم، فهو لفظ مأخوذ من الجذر (ختم) الذي يعنى "طبع" ومنه الخِتام وهو الطِّينُ الذي يُخْتَم به علـى الكتاب، وسميت الحلقة التي تُلبس في الإصبع خاتما لأنه يطبع بها على الكتاب، ثم اتخذت حلية وزينة ولم يعد لها علاقة بالختم.
الدبابة، الدَّبابةُ: آلةٌ تُتَّـخَذُ من جُلودٍ وخَشَبٍ، يدخـلُ فـيها الرجالُ، ويُقَرِّبُونها من الـحِصْنِ الـمُـحاصَر لـيَنْقُبُوه، وتَقِـيَهُم ما يُرْمَوْنَ به من فوقهم. وفي الوقت الحاضر تغير شكل هذه الآلة وتطورت وأصبحت تُصنع من الفولاذ وتسير على جنازير وزُوّدت بمختلف الأسلحة النارية، ولم تعد وظيفتها تقريب الجنود من الحصون وإنما نراها تشارك في المعارك البرية.
الزند، خشبتان يستقدح بهما، ثم تغير الزند وأصبح يؤخذ من حجر الصوان والمرو، ثم بعد ذلك أصبح آلة قادحة تستخدم الكيروسين أو الغاز في انتاج النار.
البندق، قوس توضع بها كرات صغيرة يرمى بها، والآن تطلق الكلمة على سلاح ناري طاقة الدفع فيه البارود.
(2) تغير موقفنا من الشيء: إذا كان المعنى هو ما نملكه من أفكار وتصورات عن المشار إليه، فمتى تغيرت هذه الأفكار والمواقف تبعها تغير المعنى، من ذلك مثلا:
الخمر: كانت في الجاهلية رمزا للكرم والضيافة يتفاخر الناس باقتنائها ودفع المال لشراء دنانها ، والشعراء يصفون آنيتها ولون شرابها ، ولما جاء الإسلام حرم تعاطيها وأصبحت أم الخبائث، ومن شربها لحقه العار ووصف بالفسق وأصبح من الفجّار.
الثأر: كان أمر الثأر كبيرا لا يهنأ صاحبه حتى يستوفيه، ولكن بعد نشوء الحكومات ووجود القضاء لفض الخلافات والنزاعات، أوكل أمر الجناة والقتلة إلى سلطات قضائية ومؤسسات مدنية تتكفل بالقصاص واستيفاء الحقوق.
الميسر: وهو القمار، كان حلالا في الجاهلية وبعد أن حرمه الإسلام تغير موقف الناس منه ومن ثمّ تغير معناه، وكذلك الربا والقمار والأنصاب والأزلام.
(3) تغير معرفتنا بالشيء: ما نملكه من معرفة عن الشيء يسهم في بلورة معناه في أذهاننا، ومتى تطورت هذه المعرفة تبعها تطور وتغير في معنى الشيء، ومن أمثلة ذلك:
الذَّرّة: كان القدماء يظنون أنها أصغر جزء للمادة، لذلك يطلق عليها اليونان لفظ atom أي الجزء الذي لا يتجزأ، ولكن علم الفيزياء الحديث كشف أن هناك أجزاء أصغر من الذرة هي الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات.
الشمس: كان القدماء يظنون أنها اعظم جرم مضيء في الكون، وبعضهم كان يعبدها ظانا أنها إله؛ لذا كان يسمونها الإلهة، ولكن علم الفلك الحديث طور معرفتنا بالشمس وبيّن أنها نجم بجانب نجوم أخرى تفوقها عظما في كون واسع.
القمر: كان هناك من يعتقد أنه إله، وكان قوم سبأ يعبدونه ويسجدون له. وعلم الفلك الحديث يبيّن لنا أنه ما هو إلا كويكب صغير يدور حول الأرض وسطحه خال من الشجر والماء والحياة.

(ب) الأسباب الاجتماعية والثقافية: المجتمعات الإنساية دائما في حالة تطور وتغير بسبب الاحتكاك بشعوب أخرى عن طريق الغزو العسكري أو الثقافي، وكذلك بسبب ما يجد من ثقافات وأفكار وما ينتشر من أديان ومذاهب وفلسفات، وقد تعرضت مفردات العربية إلى تغييرات كثيرة وواسعة بسبب مجيء الإسلام بدين جديد وثقافة دينية ودنيوية تختلف عما عرفوه في الجاهلية، يقول ابن فارس:
مما جاء به الإسلام - ذكر المؤمن والمسلم والكافر والمنافق. والعرب إنَّما عرفت المؤمن من الأمان والإيمان وهو التصديق. ثُمَّ زادت الشريعة شرائطَ وأوصافاً بِهَا سُمِيَ المؤمن بالإطلاق مؤمناً. وكذلك الإسلام والمسلم، إنّما عَرَفت منه إسلامَ الشيء ثُمَّ جاء فِي الشَّرع من أوصافه مَا جاء. وكذلك كَانَتْ لا تعرف من الكُفر إِلاَّ الغِطاء والسِّتْر. فأما المنافق فاسمٌ جاء بِهِ الإسلام لقوم أَبْطنوا غير مَا أظهروه، وَكَانَ الأصل من نافقاء اليَرْبوع. وَلَمْ يعرفوا فِي الفِسْق إِلاَّ قولهم: "فَسَقَتِ الرُّطبة" إذَا خرجت من قِشرها، وجاء الشرع بأن الفِسق الأفحاش فِي الخروج عن طاعة الله جلّ ثناؤه. ومما جاء فِي الشرع الصلاة وأصله فِي لغتهم: الدُّعاء، وكذلك الصيام أصله عندهم الإمساكُ، ثم زادت الشريعة النِّية، وحَظَرَت الأكلَ والمُباشَرَة وغير ذَلِكَ، وكذلك الحَجُّ، لَمْ يكن عندهم فِيهِ غير القصد. [2]
(ج) الحاجة إلى التسمية: اللغة وسيلة للتواصل قائمة على استخدام علامات لاستحضار الأشياء والأفكار. ومتى جد شيء احتاج إلى علامة تفصح عنه وتشير إليه. واللغة بها شيء من المحافظة؛ لذا قلما نجد لفظا وضع وضعا من غير سابق، والأكثر أن نجد اللفظ مشتقا من جذر يدور حول معان تشارك الشيء المراد تسميته في معناه، أو نجده مستعارا من معنى آخر يشبهه في وجه من الوجوه ومن أمثلة تغير دلالات الألفاظ بسبب النقل من معنى إلى آخر:
اصطلاحات العلوم والفنون:
رفع، نصب، جر، جزْم، تنازُع، اشتغال (نحو)
معتل، صحيح، سالم (صرف)
بيت، عمود، خبْن، وتد، سبب (عروض)
نافذة، ملف، مجلد، فأرة (حاسوب)
أسماء بعض أعضاء البدن:
ضفدع: عظم في جوف الحافر من الفرس.
الذباب "إنسان العين."
العصفور: "أصل منبت الناصية" و"عظم ناتئ في الجبين."
الحِدأة: "طائر من الجوارح،" والحِدأة من الفرس والإنسان: "أصل الأذن"، وقيل: الحدأة من الفرس "سالفة عنقه."
أجزاء الآلاات: أجزاء القوس.
رِجل: الجزء الأسفل من القوس.
يد: الجزء الأعلى من القوس.
كبِد: وسط القوس.
ظُفر: طرف السية.
(د) كثرة استعمال الكلمة: هناك كلمات يكثر استخدامها في مجالات كثيرة مما يؤدي إلى تغير معناها عن طريق التخصيص، مثل:
جذر: أصل النبات تحت الأرض.
جذر: الحروف الأصول في الكلمة.
جذر: رقم رياضي.
ومثل:
زراعة (نبات)
زراعة (طب)
زراعة (مختبر وبكتيريا)
ومثل:
عملية (عسكرية)
عملية (طب)
عملية (حساب)
عملية (اقتصاد)

(هـ) أسباب عقلية: من أسباب التغير الدلالي وجود علاقة بين شيء وآخر مما يؤدي إلى نقل اللفظ من شيء إلى آخر وقد تكون تلك العلاقة المشابهة أو غيرها.
علاقة المشابهة: تؤدي إلى استعارة لفظ من شيء إلى آخر، ومن أمثلتها:
عين: عضو الإيصار> بئر، قرص الشمس، ثقب الباب، السيد، الذهب.
فم: الثغر، فتحة القربة، فتحة القارورة.
رجل: رِجل القوس: سِيَتُها السفْلى، ورِجْلا السَّهم: حَرْفاه، ورِجْلُ البحر: خليجه.
عنق: عُنُق الدهر أَي قديم الدهر، وعُنُق الصيف والشتاء: أَوّلهما، وعُنُق الجبل: ما أَشرف منه، والأَعْناق: الرؤساء، وعُنُقٌ من النار: قطعة تخرج منها.
علاقات غير المشابهة: وهي ما يطلق عليها علاقات المجاز المرسل، مثل:
الجزئية: عين > جاسوس؛ رقبة > مملوك.
الحاليّة: حمة العقرب: سمها > إبرتها (محل)
الآلية: لسان > لغة.
المجاورة: خرطوم (أنف) > فم؛ خشم > فم.


(و) أسباب نفسية: ومن مظاهرها:
التفاؤل والتطير: وهو استخدام اللفظ الجميل للمعنى القبيح:
سليم: لم يصبه سوء > ملدوغ.
يسرى: اليد التي يسهل العمل بها > اليد الشمال، العسرى.
حُباب: محبوب > حية تدعى الشيطان.
بصير: قوي البصَر > الأعشى، ولذا كُني الشاعر المعروف الأعشى بأبي بصير.
كريمة: مكرمة > العين العوراء.
العافية: الصحة والسلامة > النار.
الخوف من العين: قد يؤدي الخوف من الإصابة بالعين إلى تسمية الشيء الجميل باسم قبيح، مثل: شوهاء: القبيحة > المرأة الجميلة.
المبالغة: قد يشعر الإنسان في بعض الأحوال أن الألفاظ العادية لا تفي بالتعبير عن انفعالاته فيعمد إلى استعمال الألفاظ الدالة على الخوف والرعب للتعبير عن جمال الأشياء، من ذلك:
رائع: جميل، مشتق من الروع وهو الخوف.
هولة: المرأة الجميلة، أُخذت من الهوْل وهو الخوف. وفي اللهجة المصرية يستخدم لفظ هايل بمعنى ممتاز.
رهيب: مخيف، تستعمل الن بمعنى جميل، ممتاز.
فظيع: شنيع، ويستخدم في الحاضر أحيانا بمعنى ممتاز.

المورفيم الصفري

إطلالة على أنواع المورفيمات
يعرّف فندريس المورفيم في كتابه اللغة على أنه أحد القيم الصرفية التي تعبر عن النسب التي يقيمها العقل بين دوال الماهية ، و يعرف أيضا على أنه أصغر وحدة صرفية في بنية الوحدة اللغوية . و قد ظهرت فكرة المورفيم في النظرية اللغوية الحديثة لكي تحل محل الكلمة ، التي بنى عليها الققواعديون أصول نظريتهم في النحو و الصرف . اختلفت تصورات علماء اللغة للمورفيم ، و تباينت وجهات نظرهم في أقسامه و قيمه الدلالية ، ووظائفه النحوية و الصرفية ، لكنهم و إن تباينوا في النواحي الشكلية ، إلا أنهم متفقون على أنه الأساس في التركيب البنائي للوحدة اللغوية .
يقسم المورفيم في اللغة العربية إلى أقسام ثلاثة هي :
الأول :المورفيم الحر
و هو عبارة عن وحدة صرفية مستقلة أو تركيب ، و يطلق عليها بعض اللغويين المحدثين ( الوحدات الصرفية التتابعية ) ، و هذه الوحدات تتمثل في اللغة العربية على النحو التالي : - الضمائر المنفصلة : ( أنا ، أنت ، أنت ، نحن ، أنتما ، أنتم ، أنتن ، هو ، هي ، هما ، هم ، هن ) .- حروف الجر : ( من ، إلى ، عن ، في ، ............. ) . - أفعال الشروع : و هي الأفعال التي يدل معناها على بدء الدخول في الشيء ، و التلبيس به و مباشرته ، و أشهر هذه الأفعال ( شرع ، انشأ ، طفق ، أخذ ، علق ، هب ، قام ، هلهل ) ، و هذه الأفعال هي أفعال ماضية تدل على الشروع ، ماضية في الظاهر و لكن زمنها الحال .
ثانيا : المورفيم المقيدة
هو كل وحدة صرفية متصلة بالكلمة ، أو هو ما ارتبط مع المورفيم الحر ، و هذه الوحدة تتمثل في اللغة العربية كما يلي : - أل التعريف - ألف الإثنين - واو الجماعة - أحرف المضارعة ( النون ، الهمزة ، التاء ، الياء) .- العلامات الفرعية للإعراب ( الواو ، الالف ، الياء ) . مثال على ذلك : كلمة ( المسلمون ) : ال التعريف ( مورفيم مقيد ) ، مسلم ( مورفيم حر ) ، ون ( مورفيم مقيد ) .كلمة ( يعملان ) : الياء ( مورفيم مقيد ) ، عمل ( مورفيم حر ) ، لان ( مورفيم مقيد ) .
ثالثا : المورفيم الصفري
هو المورفيم الذي لا وجود له في الرسم الكتابي و إنما هو الصورة الموضوعة في الذهن ، و يتمثل هذا المورفيم في ما يلي : - الضمائر المستترة - الصيغ في المشتقات - الاسناد في الجملة و يرى علماء اللغة إلى هذه المورفيمات تتوزع بين إضفاء قيمة توزيعية أو تحديدية أو تصنيفية أو توزيعية ، و على هذا يكون المورفيم في هذه الأنواع الثلاثة إما عنصرا صوتيا أو مقطعا أو عدة مقاطع و أحيانا يأتي المورفيم فونيما واحدا ، و بناءا على ما سبق فإن البنية التركيبية تتكون مما يلي :فونيمات ← مقاطع ← مورفيمات ← تراكيب
نحلل المثال التالي حتى نلاحظ حركة المورفيم في البنية التركيبية للعبارة التالية :
تجلس المهندسة في القاعة
تجلس :
التاء : ( مورفيم مقيد ) ، ( مفرد ) ، ( مؤنث ) ، ( يدل على الفاعلية ) . جلس : ( مورفيم حر ) .الضمير المستتر الدال على الفاعلية و الاسناد التأنيثي : ( مورفيم صفري ) . المهندسة :
أل التعريف : ( مورفيم مقيد ) مهندسة : ( مورفيم حر دال على العدد و الجنس ) الصائت القصير : ( مورفيم مقيد يدل على الفاعلية ) في : ( مورفيم مقيد يدل على الظرفية ) ، ( مورفيم صفري ) يدل على البناء
القاعة :
أل التعريف : ( مورفيم مقيد ) قاعة : ( مورفيم حر ) الحركة الاعرابية الجر صائت الكسر ( مورفيم مقيد )